يشهد العالم تغيرات سريعة ومختلفة تشمل التحولات المناخية والتحولات الاجتماعية والاضطرابات الاقتصادية. سلطت هذه التغييرات الضوء على الفجوة التكنولوجية الآخذة في الاتساع بين الدول المتقدمة والنامية، وخلقت تفاوتات كبيرة في الموارد، والفرص. وهذا ما يجعل الابتكار مفتاح سد هذه الفجوة وتعزيز التنمية الشاملة. نتعمق هذا المقال في أهمية الابتكار، أهمية مواكبة التحديثات، حل المشكلات من خلال الأساليب الإبداعية، اختيار أعضاء الفريق الفعالين، وإدارة المخاطر التي يواجهها رواد الأعمال، تشجيع الشركات التقليدية على الابتكار، واستكشاف الصناعات الناشئة في ليبيا.

تعرّف على هاني نجيب، رائد أعمال مصري ومستشار في الابتكار، دفعت خبرته التي تمتد لأكثر من عقد من الزمان المديرين التنفيذيين ورجال الأعمال إلى أن يصبحوا مبتكرين وباحثين عن التجديد. قامت هاجر القذافي، مؤسسة منظمة صناعة القراء، بتأجيج حب القراءة بين الأطفال في بنغازي، وتعزيز ثقافة النمو الفكري. أيوب القلال، استشاري للمشاريع الرقمية. اكتسب من تجاربه الممتدة لـ13 عامًا الخبرة الكافية ليصبح اليوم مستشارًا ومدربًا متخصصًا في تنمية المهارات وريادة الأعمال مع عملاء في 16 دولة. ثلاثتهم اجتمعوا في الندوة الإلكترونية الثالثة المنظمّة من مبادرة دراية لريادة الأعمال لمشاركة تجاربهم وتأثيث الحوار حول أهميّة التجديد والابتكار.

العالم المتغير والفجوة التكنولوجية

يتميز العالم الذي يتطور بسرعة بعدة عوامل حاسمة، بما في ذلك التغيرات المناخية والديناميات الاجتماعية المتحركة والاقتصاديات المتقدمة. وقد أسهمت هذه العوامل في ظهور فجوة تكنولوجية ملحوظة بين الدول. فقد اكتسبت الدول المتقدمة ميزة كبيرة من خلال استغلال التكنولوجيا المتقدمة، مما يجعل الدول النامية في موقف حرج من حيث البنية التحتية والوصول إلى الموارد والقدرات التكنولوجية. يؤدي التوزيع غير المتكافئ للموارد إلى زيادة حدة الانقسام، مما يخلق تحديات كبيرة للبلدان التي تسعى جاهدة نحو التقدم.

أهمية الابتكار في سد الفجوة

يلعب الابتكار دورًا محوريًا في سد الفجوة التكنولوجية والتنموية بين الدول. من خلال الابتكار يمكن للمجتمعات دفع التقدم ومعالجة التحديات المجتمعية وخلق فرص للنمو. من خلال رعاية ثقافة الابتكار، يمكن للدول إطلاق إمكانيات جديدة، دفع عجلة التقدم الاقتصادي، وضمان التنمية المستدامة للجميع. الابتكارات في مجالات مثل الطاقة المتجددة والرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية يمكن أن يكون لها آثار بعيدة المدى في تحويل الاقتصادات وتحسين المعيشة في الدول النامية.

البقاء مُطلعًا ومبتكرًا

للابتكار بشكل فعال، يجب أن يظل رواد الأعمال والشركات على اطلاع دائم بالاتجاهات والتغيرات الناشئة في السوق. وهذا يتطلب فهمًا عميقًا لسلوك واحتياجات العملاء المستهدفين. من خلال تحليل سلوك العملاء والمشاركة الفعالة معهم، يمكن لأصحاب المشاريع تحديد الاتجاهات الناشئة والتفضيلات المتطورة والاحتياجات غير الملباة. تمكنهم هذه المعلومات القيمة من تطوير حلول مبتكرة تعالج نقاط الضعف المحددة وتقدم عروض قيمة ومقنعة. يمكن أن يتجلى الابتكار في أشكال مختلفة: ابتكار في المنتجات، ابتكار في العمليات، ابتكار في نموذج الأعمال، ابتكار في جمع الأموال، أوفي تطبيق الاستراتيجيات الحالية في مجالات جديدة.

ويسلط أيوب الضوء على القوة التحويلية للابتكار قائلًا: "لقد كنت محظوظًا بأن أتيحت لي الفرصة للعمل مع شخص أحدث ثورة في مجال الأسمدة لأنها استخدمت معرفتها في إعادة التدوير لإنشاء سماد يعمل بشكل أسرع 9 مرات من العادي ". يُجسد هذا الاقتباس القدرة على إحداث تغيير جذري في الصناعات التقليدية وتوليد حلول ثورية.

حل المشكلات من خلال الابتكار

يزدهر الابتكار والإبداع من خلال طرح الأسئلة الصحيحة وتحديد المشكلات الأساسية. من خلال التركيز على المشكلات الصحيحة، يمكن لأصحاب المشاريع إطلاق حلول مبتكرة تدفع التقدم وتخلق قيمة. يكمن فن ريادة الأعمال في طرح الأسئلة الصحيحة والبحث عن الإجابات الصحيحة. يؤكد هاني نجيب، على ذلك قائلًا: "ريادة الأعمال والابتكار هما فن طرح السؤال الصحيح وعلم إيجاد الإجابة الصحيحة". تسمح هذه العقلية لأصحاب المشاريع بتحدي الوضع الراهن وريادة الأساليب الجديدة.

توضح أمثلة الحياة الواقعية، مثل القصص التأسيسية لـ Warby Parker وUber، كيف يمكن أن تؤدي الأسئلة البسيطة والعميقة إلى أفكار تجارية رائدة. تساءل مؤسسو Warby Parker عن سبب غلاء ثمن النظارات، مما أدى إلى المفهوم التجريبي للنظارات الأنيقة الميسورة التكلفة التي تُباع عبر الإنترنت. وبالمثل، تساءل مؤسسو Uber عن سبب عدم تمكنهم من طلب سيارة أجرة بسهولة، مما أثار فكرة خدمة نقل الركاب التي أحدثت ثورة في مجال النقل. تسلط هذه الأمثلة الضوء على كيف يمكن لطرح الأسئلة الصحيحة أن يؤدي إلى حلول تحويلية.

اختيار أعضاء الفريق الفعال

يعد بناء فريق قوي ومتماسك أمرًا حيويًا لنجاح ريادة الأعمال، لذلك من الضروري النظر في مهارات وخبرات أعضاء الفريق المحتملين، والبحث عن أولئك الذين يكملون نقاط قوّة تضيف إلى المجموعة الموجودة. يمكن لفريق متنوع تقديم مجموعة شاملة من القدرات ووجهات النظر والخبرات، وتعزيز الإبداع، والتعاون والمرونة. من خلال تجميع فريق شامل، يمكن لأصحاب المشاريع الاستفادة من المواهب الجماعية لدفع الابتكار والتغلب على التحديات.

المخاطر التي يواجهها رواد الأعمال والشركات الناشئة

يواجه رواد الأعمال والشركات الناشئة العديد من المخاطر والشكوك طوال رحلتهم. مخاطر الأفكار الجديدة وغير المختبرة متأصلة في عملية ريادة الأعمال. يتطلب التخفيف من هذه المخاطر من رواد الأعمال تحليل القبول والطلب على أفكارهم بين شريحة العملاء المستهدفة، وذلك من خلال إجراء البحوث الشاملة، ولذلك التفاعل مع العملاء المحتملين يمكن أن يوفر إشارات قيمة لصقل الأفكار.

تشكل مخاطر التنفيذ أيضًا تحديات أمام رواد الأعمال، ولهذا السبب يعد تطوير خطة تنفيذ شاملة، وتحسين المهارات الأساسية مثل الخدمات اللوجستية والاتصالات، وبناء هيكل تنظيمي مرن أمرًا بالغ الأهمية لتقليل مخاطر التنفيذ. المرونة والقدرة على التكيف أمران أساسيان، مما يسمح لرجال الأعمال بالتعامل مع ظروف السوق المتغيرة عند الضرورة. من خلال تبني عقلية النمو والحفاظ على المرونة، يمكن لرواد الأعمال التغلب على العقبات وتحويل المخاطر إلى فرص.

تشجيع الأعمال التجارية التقليدية على الابتكار

لا يتطلب الابتكار دائمًا إجراء إصلاح شامل للأعمال التجارية التقليدية. بدلًا من ذلك، يمكن دمجها في العمليات والأساليب الحالية، مما يسمح بانتقال تدريجي وسلس. يتطلب تجديد الأعمال التجارية التقليدية تبني ممارسات مبتكرة تحافظ على توازن دقيق بين الألفة للعملاء وإدماج طرق جديدة للعمل. ينصح هاني نجيب، "عندما تقدم منتجًا تقليديًا باستخدام طرق وأساليب جديدة، تأكد من توفيره بطريقة مألوفة". يساعد هذا النهج على ضمان قبول العميل ويسهل الانتقال السلس إلى الممارسات المبتكرة.

يمكن أن يؤدي دمج تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي في الزراعة، حيث تعمل الأنظمة الآلية على تحسين عمليات الزراعة والحصاد، وعلى تحسين الكفاءة وتقليل التكاليف. من خلال الاستفادة من التطورات التكنولوجية في الصناعات التقليدية، يمكن للشركات تعزيز قدرتها التنافسية وتبسيط العمليات وتوفير قيمة مضافة للعملاء.

الصناعات الناشئة في ليبيا

تشهد ليبيا تطورات واعدة في تبني التكنولوجيا والانفتاح على الابتكار. يؤدي الاستخدام المتزايد للإنترنت والتقدم التكنولوجي إلى خلق أرضية خصبة للنمو والابتكار، خاصةً في العالم العربي وليبيا.

يواجه القطاع الفكري في ليبيا حاليًا طلبًا محدودًا. أكدت هاجر القذافي أن المنظمات الدولية تدرك إمكانيات الأعمال الفكرية، قائلة: "يعتقد الناس دائمًا أن هذه الأنواع من الأعمال الفكرية لا تستطيع جني الأموال، ومن مسؤولية الحكومة وحدها الاهتمام بهذا القطاع، وهو أمر خاطئ لأن العديد من المنظمات الدولية تولي اهتمامًا وتوفر التمويل لهذه الأنواع من الأعمال ".

بالنظر إلى الوضع الراهن، تمتلك ثلاث مجالات في العالم العربي إمكانيات هائلة للابتكار والنمو: التكنولوجيا الزراعية، والسياحة، والقطاعات المرتبطة بالمياه. مع الحاجة المتزايدة لممارسات الزراعة المستدامة، تقدم (agritech) فرصة للحلول المبتكرة التي تعمل على تحسين إنتاج المحاصيل وإدارة الموارد والتقنيات الزراعية. في المجال السياحي، يمكن للتقدم التكنولوجي أن يعزز تجارب الزوار، يسهل العمليات الفعالة، ويعزز الحفاظ على التراث الثقافي. أخيرًا، نظرًا لأهمية موارد المياه في العالم بأسره، فإن الأساليب المبتكرة في إدارة المياه وتنقيتها وتوزيعها تعد أمرًا بالغ الأهمية لتحقيق التنمية المستدامة.

في عالم سريع التغير، يعد تبني الابتكار والتجديد أمرًا بالغ الأهمية لتعزيز التنمية الشاملة وخلق فرص النمو. وإن لعب رواد الأعمال بصفة عامة دورا فعّالا في الدفع بعجلة التجديد إلّا أنّ مساهمة رائدات الأعمال مازالت محدودة لعدّة أسباب خارجة عن إرادتهم منهم من تمكنّت من مواجهتها واستطاعت التفوق والتميز في مجالها. ستسلط الندوة القادمة الضوء على القصص الملهمة لرائدات الأعمال في العالم العربي، وسوف تتعمق في التحديات الفريدة التي يواجهونها وتستكشف استراتيجيات للتغلب على العقبات والنجاح في مشهد ريادة الأعمال.

لمشاهدة الندوة: