الإطـار القانوني والتـنظيمي لريادة الأعمال في ليبيا

بداية، يجب أن نفهم أن ريادة الأعمال في ليبيا لها أهمية استراتيجية كبيرة في دعم التنمية الاقتصادية المستدامة وتعزيز التنوع الاقتصادي. تعتبر الشركات الصغيرة والمتوسطة عموداً فقرياً للاقتصاد المحلي، حيث تسهم في خلق فرص العمل، وزيادة الدخل، وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين. ومع ذلك، تواجه هذه الشركات تحديات عديدة مثل البيروقراطية، وضعف البنية التحتية، ونقص التمويل، وتأثيرات الاضطرابات السياسية والأمنية التي تزيد من تعقيد عملية إنشاء وتشغيل الأعمال. 

 

من الضروري أن يكون هناك إطار قانوني وتنظيمي مبني على مبادئ الشفافية والعدالة يدعم ويحمي الرياديين والمستثمرين، ويوفر لهم الحماية القانونية اللازمة لتطوير أفكارهم ومشاريعهم بثقة. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن يتضمن هذا الإطار تشريعات تشجع على الابتكار والاستثمار في الأبحاث والتطوير، وتقديم الحوافز والدعم المالي للمبادرات الجديدة والمشاريع الناشئة. 

 

تتجلى الفرص في تنوع الاقتصاد الليبي واستعداد السوق لاستيعاب الابتكارات والحلول الجديدة، مما يمثل بيئة مثمرة للريادة والنمو. لذا، من المهم أن نعمل على تعزيز هذا الإطار القانوني والتنظيمي وتوفير الدعم اللازم للشركات الناشئة والرياديين لتحقيق مستقبل اقتصادي مستدام ومزدهر في ليبيا. 

مستيضيفين كلا من أ.محمد الأسود - رئيس لجنة اعداد السياسة الوطنية لريادة الاعمال و الابتكار, و أشرف بن نصر- الممثل عن وحدة دعم المشروعات الصغرى و المتوسطة في مصرف ليبيا المركزي. 

 

مفهوم الإطار القانوني و التنظيمي لريادة الاعمال: 

الإطار القانوني والتنظيمي لريادة الأعمال يمثل العمود الفقري للبيئة الاقتصادية التي تساعد على ازدهار الشركات الناشئة والمبتكرة في أي اقتصاد. يتكون هذا الإطار من مجموعة متنوعة من القوانين واللوائح التي تحدد القواعد والإجراءات التي يجب اتباعها لتأسيس الشركات، وتشغيلها، ونموها بطريقة قانونية ومستدامة. 

 

تشمل هذه القوانين قوانين الشركات التي تحدد أنواع الشركات المسموح بها، وإجراءات تأسيسها، وحقوق وواجبات أعضاء الشركة. كما تشمل التشريعات الضريبية التي تحدد الضرائب المطلوبة من الشركات والحوافز الضريبية التي قد تكون متاحة لتشجيع الاستثمار. بالإضافة إلى ذلك، هناك التشريعات العملية التي تنظم شروط العمل وحقوق الموظفين، والتشريعات البيئية التي تضع إطاراً للأنشطة التجارية للحد من التأثير البيئي. 

 

إلى جانب القوانين، يشمل الإطار التنظيمي أيضاً الهياكل الإدارية والمؤسسات الحكومية المسؤولة عن تطبيق القوانين وتقديم الدعم والمساعدة للشركات الناشئة. تشمل هذه المؤسسات وكالات التنمية الاقتصادية والهيئات التنظيمية التي تقدم الإستشارات والتدريب والتمويل اللازم لدعم نمو الأعمال الجديدة. 

 

يعتبر الإطار القانوني والتنظيمي لريادة الأعمال أساسياً لبناء بيئة أعمال ديناميكية ومشجعة للابتكار والنمو الاقتصادي. إن تطوير هذا الإطار وتحسينه بما يتلاءم مع التحديات الحالية والفرص المتاحة يسهم بشكل كبير في تعزيز الاستثمارات، وتحفيز الشركات على التوسع والتطور، وبالتالي يساهم في خلق فرص عمل وزيادة الاستقرار الاقتصادي في البلدان المختلفة. 

حيث ذكر محمد الاسود"في ليبيا مفهوم ريادة الأعمال موجه على انها الشركات الصغيرة, و لكن مفهوم ريادة الأعمال هي فكر وليست تأسيس شركة فقط. بالتالي عندما نتعامل مع مفهوم وواقع ريادة الأعمال من الضروري رؤية واقعها كفكر للمجتمع الليبي وفي الاقتصاد و التعليم و جميع المجالات الاخرى. الشخص القادر على تحويل الفكرة الى شيء ملموس يستفيد منه و يخلق منه قيمة يسمى بالريادي، بالتالي يمكن لريادة الاعمال أن تكون: جامعة, مصرف, مستشفى, أو مجتمع حتى". 

أضاف ايضا" ريادة الاعمال هي خلق قيمة مجتمعية وقيمة مادية. القيمة المادية لها علاقة بالنمو وزيادة النمو يخلق فرص عمل أكبر و مستوى دخل أعلى في الجنوب".  

 

تاثير القوانين و اللوائح على ريادة الاعمال: 

تؤثر القوانين واللوائح الخاصة بريادة الأعمال جوهرياً على البيئة الاقتصادية والمجتمعية في كل دولة. تلعب هذه القوانين دوراً حاسماً في تحديد نجاح الشركات الناشئة والمبتكرة، حيث يضمن الإطار القانوني والتنظيمي الصحيح توفير بيئة مواتية للاستثمار والنمو الاقتصادي المستدام. 

 

حيث تقدم قوانين الحماية والأمان للمستثمرين والمؤسسين الضمان المطلوب، مما يزيد من ثقتهم في السوق المحلي. يتضمن ذلك حقوق الملكية الفكرية، وضمانات حول عمليات الشراء والبيع، وتوفير إجراءات واضحة لتأسيس الشركات وإدارتها بكفاءة. 

 

من جهة أخرى، تعمل اللوائح على تنظيم سلوكيات الأعمال والحد من الممارسات غير النزيهة، مما يضمن المنافسة العادلة ويعزز الثقافة الأخلاقية في السوق. بالإضافة إلى ذلك، قد تقدم اللوائح حوافز مالية وضريبية للشركات الناشئة، مما يعزز من فرصها للنمو والتوسع. 

 

ومع ذلك، يجب أيضاً ملاحظة التحديات التي تواجه الشركات الناشئة نتيجة التكاليف الإضافية للامتثال للقوانين واللوائح، والتي قد تؤثر على القدرة على الابتكار والاستثمار في المشاريع الجديدة. 

 

باختصار، يجب تطوير القوانين واللوائح بشكل مستمر لتوفير بيئة قانونية وتنظيمية تعزز من ريادة الأعمال، تحفز الابتكار، وتسهم في نمو الاقتصاد المحلي بشكل مستدام وموزع بالتساوي. 

ذكر أشرف بن نصر أيضا "جانب الابتكار مهم بشكل كبير سواء ان كان لرواد الأعمال, المؤسسة, المجتمع, الحكومة و كل الجوانب. ما موجود في الجنوب لا يختلف بشكل كبير عما موجود في بقية المناطق الأخرى سواء ان كان في جانب الوعي والثقافة أم جانب الإجراءات المتبعة في تأسيس مؤسسات الأعمال و انطلاق هذه المشاريع". 

 

*الوضع القانوني والتنظيمي في بلديات الجنوب الليبي:

في بلديات الجنوب الليبي، يمثل الوضع القانوني والتنظيمي تحديات وفرصاً متنوعة تشكل جوهر التنمية المحلية والاستقرار السياسي في المنطقة. تعاني هذه البلديات من تحديات فريدة تشمل الأمن والاستقرار، ونقص البنية التحتية، والتطور الاقتصادي المتأخر. على الرغم من ذلك، توفر المنطقة إمكانيات غنية من الموارد الطبيعية والثقافية التي يمكن استثمارها لتعزيز التنمية المستدامة وتعزيز الاقتصاد المحلي. 

 

الوضع القانوني والتنظيمي يتطلب إجراءات واضحة وفعالة لتعزيز حكم القانون والتنمية الاقتصادية. يتضمن ذلك تحسين البنية التحتية لدعم الأنشطة الاقتصادية، وتعزيز الحوكمة المحلية لتحسين إدارة الموارد وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تتبنى الحكومة المركزية سياسات تشجيعية تدعم ريادة الأعمال وتوفر الحوافز للاستثمارات في القطاعات المحلية مثل الزراعة والسياحة والطاقة المتجددة. 

 

من خلال تحسين البنية التحتية، وتعزيز التعليم والتدريب المهني، وتقديم الدعم المالي للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، يمكن أن تلعب البلديات الجنوبية دوراً حيوياً في تعزيز الاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية المستدامة في ليبيا بأسرها. 

ذكر اشرف بن نصر"تتمحو ريادة الأعمال عن فكرة, مؤسسة, نظرة جديدة وابتكارية من شأنها تقديم خدمة أو منتج للمجتمع يتحقق من خلالهما النمو والاستدامة". أضاف أيضا "يوجد فرق بين ريادة الأعمال و بين المشروعات الصغرى و المتوسطو التي تهدف لتلبية احتياجات محددة في السوق و توفير  دخل مستقر لأصحابها" 

 

*التحديات التي تواجه رواد الـعمال بسبب الأطر القانونية والتنظيمية: 

التحديات التي تواجه رواد الأعمال بسبب الإطار القانوني والتنظيمي تشكل عقبات رئيسية تعيق نموهم وتأثيرهم الإيجابي على الاقتصاد والمجتمع. أحد أبرز هذه التحديات يتمثل في التعقيدات القانونية والإجرائية التي تحيط بإنشاء وتشغيل الشركات، حيث تستهلك هذه الإجراءات وقتاً طويلاً وتتطلب موارد مالية كبيرة، وهو ما يعيق الرواد في تنفيذ أفكارهم بسرعة وكفاءة. بالإضافة إلى ذلك، تشمل التحديات الاحتكارات والرسوم البيروقراطية التي قد تكون باهظة الثمن بالنسبة للشركات الصغيرة والناشئة، مما يقلل من قدرتها على المنافسة والنمو في السوق المحلي والعالمي. 

 

علاوة على ذلك، فإن التشريعات الضريبية تشكل تحدياً إضافياً، حيث قد تكون معقدة وتفرض عبئاً إضافياً على الأعمال الناشئة، مما يؤثر سلباً على التخطيط المالي والاستدامة المالية للشركات الصغيرة والمتوسطة. ولا يقتصر التحدي على الجوانب المالية فحسب، بل يشمل أيضاً نقص الدعم المالي والتمويل من البنوك والمؤسسات المالية، خاصة للشركات الناشئة التي قد تفتقر إلى التاريخ المالي الطويل أو الضمانات الكافية للحصول على التمويل اللازم لنموها وتوسعها. 

 

للتغلب على هذه التحديات، من الضروري أن تتخذ الحكومات والسلطات المحلية خطوات حاسمة نحو تبسيط الإجراءات الإدارية والقانونية، وتوفير بيئة تنظيمية مواتية تدعم الابتكار والريادة. كما ينبغي تقديم دعم مالي وضريبي ملائم يحافظ على تنافسية الشركات الصغيرة والناشئة، ويسهم في تعزيز الاستثمارات وخلق فرص العمل. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تركز الجهود على تحسين الوعي والتثقيف بالقوانين واللوائح الجديدة بين رواد الأعمال، لضمان التزامهم الكامل والصحيح وتجنب المخاطر القانونية المحتملة. 

حيث ذكر محمد الأسود "تحويل فكرة ريادية في ليبيا إلى واقع ليس بالأمر الهين, اشتغلنا كمؤسسة خبراء فرنسا في هذا الإطار وقمنا بتضمين مسألة ريادة الأعمال و الابتكار في التعليم العالي والتعليم التقني. على الجانب الآخر, من المهم جدًا أن يتضمن القطاع الحكومي مؤسسة لريادة الاعمال بحيث تصبح الادارة تشتغل على حل المشاكل التي ستواجه المواطن ". 

أضاف أيضا "القطاع الحكومي غير مؤهل للتعامل مع هذه المشاكل، مثل مشكلة النقل و غلاء الوقود في الجنوب بدرجة كبيرة. يترتب على ذلك عدم قيام شباب الجنوب بأي نشاط عملي ولا يمكنه منافسة المدن الساحلية بتاتا. بالتالي الحكومة و الدولة مهمتهما الأكبر خلق الأسواق, ولابد من تدخل الدولة في تنظيم السوق و خلقه". 

 

*تحسين و معالجة الاطار القانوني و التنظيمي لدعم ريادة الاعمال: 

تحسين الإطار القانوني والتنظيمي لدعم ريادة الأعمال يعد أمراً أساسياً لتعزيز الاقتصادات المحلية وتعزيز الابتكار وخلق فرص العمل. يواجه رواد الأعمال في العديد من الدول تحديات كبيرة نتيجة التعقيدات القانونية والبيروقراطية التي تعيق إنشاء وتشغيل الشركات الناشئة. تبسيط وتحسين هذا الإطار يسهم في خلق بيئة أكثر شفافية وتنافسية، ويزيد من ثقة المستثمرين والرواد في السوق. 

 

أولاً، يجب أن تكون القوانين واللوائح مفهومة ومتاحة للجميع، مما يسهل على رواد الأعمال الإلتزام بها والتعامل معها بدون عقبات غير ضرورية. ينبغي للتشريعات أن تكون مرنة بما يكفل التكيف مع التطورات الاقتصادية والتكنولوجية السريعة. 

ثانياً، من خلال إنشاء حوافز ضريبية ومالية ملائمة، يمكن تشجيع الاستثمار في الشركات الصغيرة والناشئة، ودعمها في تحقيق نمو مستدام وإبداع مستمر. 

ثالثاً، تعزيز البنية التحتية والخدمات اللوجستية، مثل الاتصالات والنقل، يمكن أن يسهم في تحسين كفاءة العمليات وتقليل التكاليف، وبالتالي تحفيز النمو الاقتصادي وخلق المزيد من فرص العمل. 

رابعاً، التركيز على التعليم والتدريب المستمر للرواد والموظفين في الشركات الناشئة يعزز من قدراتهم على إدارة الأعمال بكفاءة، ويعزز من إمكانيات النجاح والاستمرارية في السوق. 

خامساً، يجب أن تتمتع الحكومات بآليات فعالة لمكافحة الفساد وتعزيز الحوكمة الرشيدة، مما يساهم في خلق بيئة أعمال نزيهة ومواتية للنمو والتنمية المستدامة. 

بتبني هذه الإجراءات وتحسين الإطار القانوني والتنظيمي، يمكن دعم ريادة الأعمال وتعزيز الابتكار والاستثمار في الاقتصادات المحلية، وبالتالي تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة وخلق فرص العمل والازدهار في المجتمعات المحلية. 

ذكر محمد الاسود"في الجنوب من المهم جدا إشراك الأشخاص المحليين في التنمية, ليصبح المجتمع ريادي. و هنا أهم شيء من الممكن أن تقوم به مبادرة دراية نشاطاتها وهو التوعية بكيفية المشاركة في ريادة الأعمال سواء للمجتمع المحلي ,الدوائر الحكومية , التعليم, الصحة, الزراعة, الاقتصاد و كل المجالات الأخرى". 

في الختام، يظهر الإطار القانوني والتنظيمي لريادة الأعمال في ليبيا كعنصر حيوي يلعب دوراً كبيراً في تعزيز الاقتصاد المحلي وتشجيع الابتكار والاستثمار. على الرغم من التحديات التي قد تواجهها الشركات الناشئة، إلا أن الجهود المبذولة لتبسيط الإجراءات الإدارية وتحسين القوانين واللوائح ستسهم بشكل كبير في تعزيز مناخ الأعمال وجذب المزيد من الاستثمارات. 

 

تحقيق التنمية المستدامة يتطلب تعزيز الشفافية وتعزيز الحوكمة الرشيدة، بالإضافة إلى تعزيز البنية التحتية والتدريب المستمر للقوى العاملة. من خلال تطبيق هذه الإصلاحات بشكل شامل ومتكامل، يمكن لليبيا أن تستفيد من إمكانياتها الاقتصادية الكبيرة وتحقيق نمو مستدام يعود بالفائدة على جميع فئات المجتمع. 

 

بالتالي، فإن استمرار العمل على تحسين الإطار القانوني والتنظيمي لريادة الأعمال في ليبيا يعد خطوة ضرورية نحو تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وتحقيق الأهداف الوطنية للتنمية والازدهار المستدام..

 

 

الدراسات الأخرى

قامت مبادرة ممكن باستضافة كُلا من هند البشاري-...

طرق الحصول علي التمويل لرواد الاعمال في جنوب ليبيا